الجزائرالآن _ كشفت مصادر إعلامية عن اتصالات ولقاءات مهمة أجريت بين مسؤولين كبار في منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، مع آخرين من حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، خلال الفترة الماضية، ناقشت ملف تجسيد الوحدة الوطنية، واقعا على الأرض، وتنفيذ الكثير من التفاهمات والاتفاقيات السابقة، التي جرى توقيعها في عدة عواصم عربية، وأهمها “اتفاقية المصالحة الفلسطينية” أو “اتفاقية لم الشمل الفلسطيني”، التي وقعها 14 فصيل فلسطيني، يوم 13 أكتوبر 2022 بالعاصمة الجزائرية، عشية انعقاد “القمة العربية” وكانت برعاية الرئيس عبد المجيد تبون.
وتأتي المحاولة الجديدة للم شمل كل الفلسطينيين بدعم من روسيا، استكمالا لمبادرة الجزائر، التي يوجد إجماع حولها من جميع الفصائل الفلسطينية، التي أكدت أنّ “إعلان الجزائر”، يعتبر الخطوة الأكثر جدية لرأب الصدع بين حركتي فتح وحماس، وأنّ أي نجاح في تحقيق المصالحة بين الفلسطينيين، لا بد أن يستند إلى تلك التفاهمات التي أشرف عليها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
من جهة أخرى يؤكد خبراء، أنّ الفرق بين ما حدث قبل 16 شهرا في الجزائر، وبين المبادرات السابقة، وحتى المبادرة الحالية التي تشرف عليها روسيا وتنسج خيوطها بقطر، أنّ “المبادرة الجزائرية” تمكنت من جمع كل أطراف الصراع، بمن فيهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، اللذين اجتمع لأول مرة منذ سنوات طويلة، وأخذا صورة تاريخية إلى جانب الرئيس الجزائري، ما كان مؤشرا واضحا على أنّ الجزائر قادرة على المساعدة في “لم الشمل الفلسطيني”
دولة فلسطينية على حدود 1967
الاتصالات واللقاءات الأخيرة التي جرت بين الحركتين، وقادها مسؤولون كبار، بعضها تم في العاصمة القطرية الدوحة، واستبقت الزيارة الأخيرة للرئيس محمود عباس، والتي التقى خلالها أمير قطر تميم بن حمد.
وناقش الطرفان بعمق ملف الوحدة الوطنية، وحسب مصادر “القدس العربي”، فإنّ هذه الاتصالات جاءت في ظل التحضيرات الهادفة لوقف الحرب على غزة، وإيجاد قيادة فلسطينية تتولى مهمة إدارة كافة المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، لقطع الطريق أمام محاولات حكومة الاحتلال الصهيوني، الهادفة لفصل الضفة عن القطاع، والعمل على وضع خطة لإدارة القطاع، بعد الحرب الدامية، من أجل تنفيذ مخططها الرامي لمنع قيادة فلسطينية مستقلة.
بحسب المعلومات التي حصلت عليها “القدس العربي”، فإنّ هناك توافقات مبدئية على تشكيل هذه الحكومة، التي ستكون من المهنيين “التكنوقراط”، حيث يجري بحث برنامج الحكومة الأساسي، الذي يقوم على أساس دولة فلسطينية على حدود 1967.
ومن المقرر أن ترتكز المحادثات القادمة على البرنامج السياسي لهذه الحكومة، والذي كان يشكل طوال الفترة الماضية نقطة خلاف كبيرة، تمنع تشكيل هذه الحكومة، خاصة وأنّ حركة فتح كانت تريد أن تتبع برنامج منظمة التحرير، وهو أمر كانت ترفضه بشدة حركة حماس، غير أنّ المعلومات الحالية تشير إلى ردم هوة الخلاف بين الطرفين بشكل كبير، ما يمهد لتشكيل هذه الحكومة.
وجاء ذلك بعد أن جرى التوافق المبدئي على أن يكون برنامج الحكومة مرتكزا على قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، على حدود العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك ضمن عملية مصالحة شاملة، تنهي حالة الانقسام السائدة منذ العام 2007.
وستوكل لهذه الحكومة التي يجري العمل على تشكيلها، مهمة إعمار قطاع غزة، والتواصل دوليا مع كل الأطراف لأجل هذه المهمة الأساسية، بعد توقف العدوان الذي تشنه دولة الاحتلال.
ووفق المعلومات ستشكل عملية نجاح الحكومة في مهامها، نقطة أساسية لانضمام حركة حماس الكامل لمنظمة التحرير، كونها المنظمة التي تعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
الدوحة من وسيط بين “حماس” و”الكيان الصهيوني” إلى وسيط بين الأشقاء
وكان البيان الرئاسي الفلسطيني بعد لقاء الرئيس مع أمير قطر، أشار إلى أنه جرى خلاله التطرق إلى الجهود العربية الحثيثة الساعية إلى وقف العدوان، والتمهيد لحل سياسي قائم على قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، ينهي الاحتلال الصهيوني، ويجسد قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، إضافة إلى حشد الدعم الدولي للاعتراف بدولة فلسطين والحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن الدولي، وهو ما تقوم به الجزائر على مختلف المنابر، وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد تعهد خلال “القمة العربية” بالجزائر، إلى بذل كل الجهود من أجل حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
والجدير ذكره أن الزيارة الأخيرة للرئيس عباس إلى قطر، استبقها زيارات أخرى لمسؤولين فلسطينيين كبار، أبرزهم أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، وأمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب.
وقد أشار الشيخ في تصريح صحافي بعد العودة من الدوحة إلى مباحثات الوحدة، حيث قال إنّ “لقاء أخويا مثمرا وبناء” جمع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس أبو مازن، لافتا إلى أنّه تم استعراض التطورات الحاصلة في المنطقة جراء استمرار العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، والتحرك الثنائي والعربي والدولي على المستويات كافة لوقف هذا العدوان فوراً، وسبل الدخول في حل سياسي، يضمن تنفيذ حل الدولتين فوراً وفق القانون الدولي والشرعية الدولية.
وأشار إلى أن اللقاء بحث “تمتين وتصليب الجبهة الفلسطينية الداخلية، لمواجهة كل التحديات الحالية والمستقبلية”
وحسب نفس المصدر، فإنّ اللقاء التشاوري السداسي الذي استضافته مؤخرا السعودية، وحضره وزراء خارجية السعودية ومصر وقطر والأردن والإمارات، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، جرى خلاله بحث ملف تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية، وسبل دعمها عربيا وحشد الدعم الدولي لها.
وقد أكد المجتمعون على أهمية اتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين، والاعتراف بدولة فلسطين على خطوط الرابع من جوان لعام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة، مؤكدين على أن قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، وعلى رفضهم القاطع لكافة عمليات التهجير القسري.
وكان الرجوب قال في تصريحات سابقة، إنّ إعادة إعمار غزة تتطلب تشكيل “حكومة وفاق وطني”، وقد كشف عن توافق مع حركة حماس في هذا الشأن، جرى خلال اللقاء الأخير الذي عقده مؤخرا، مع رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، في الدوحة، وقال إنّ هناك أرضية مشتركة لذلك يمكن تطويرها.
وأشار إلى أن أعضاء الحكومة المطلوب تشكيلها للقيام بمهمة إعادة إعمار قطاع غزة، يتوجب أن يتمتعوا بالمصداقية، والقدرة على العمل، والحركة والتنقل، وأكد أن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والتي تحظى باعتراف دولي وإقليمي.
ولم تخف حركة حماس وجود تلك الاتصالات، لكن عضو مكتبها السياسي عزت الرشق، قال بعد التسريبات الكثيرة، التي تتحدث عن مواقف لحركة حماس بخصوص المفاوضات أو ترتيبات الوضع الفلسطيني “من الضروري الانتباه والحذر، فمواقف الحركة الرسمية والمعتمدة يتم التعبير عنها في وقتها المناسب، من خلال قيادة الحركة وبياناتها الرسمية”
يشار إلى أن تنظيم الجبهة الديمقراطية أعلن استلام دعوة روسية للمشاركة في حوار فلسطيني-فلسطيني، سيعقد في موسكو، بتاريخ الـ 29 من هذا الشهر.
وأعلن تأييده لأي دعوة للحوار وخاصة الدعوة الروسية، التي جاءت على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف، لعقد لقاء فلسطيني عاجل “من أجل توحيد الجهد الفلسطيني”
ويؤكد النهج الروسي المبني على ضرورة استضافة مختلف الفصائل الفلسطينية بالعاصمة موسكو، استناده على “المبادرة الجزائرية”، خاصة أنّ البحث عن توافق بين مختلف الأطراف، لا يجب أن يتم عبر وسائط، ولكن من الضروري أن تلتقي كل الأطراف على طاولة واحدة، وهذا ما فهمته القيادة الروسية، التي تدرك أنّ مبادرة الرئيس تبون تعتبر مثالية، ولكن هناك من أراد أن يضع أمامها بعض العوائق، لأنّ هناك من لا يريد أي نجاح جزائري ولو على حساب حياة الشعب الفلسطيني، ولهذا يذهب البعض إلى التأكيد أنّ المبادرة الروسية الحالية، ليست إلا استنساخا للمبادرة الجزائرية.